فراشة العاهل أو الفراشة الملكية: وصفها ودورة حياتها وهجرتها والتهديدات
الفراشة الملكية (The Monarch butterfly)، والمعروفة علمياً باسم (Danaus plexippus)، هي نوع معروف على نطاق واسع ضمن مجموعة فراشات الصقلاب (milkweed butterfly)، التي تنتمي إلى فصيلة (Danainae) الفرعية من رتبة (Lepidoptera). يتميز هذا النوع بحجمه الكبير ونمط أجنحته البرتقالي والأسود المميز. وتشتهر أيضاً بأنماط الهجرة السنوية الواسعة.
تشمل الموائل الأساسية لفراشة الملك أمريكا الشمالية والوسطى والجنوبية، على الرغم من ملاحظة مجموعات منها في أستراليا وهاواي والهند ومناطق أخرى، وإن كان ذلك بشكل أقل تنظيماً. أما من الناحية التصنيفية، فقد حُدِّدَتْ عدة أنواع فرعية من فراشة العاهل. والجدير بالذكر أن الأنواع الفرعية المهددة بالانقراض (Danaus plexippus) تتميز بسلوكها المهاجر وتوجد في الغالب في أميركا الشمالية، مع مشاهدات عرضية في جزر الكاريبي. على العكس من ذلك، يُظهر النوع الفرعي (Danaus plexippus) ميولاً غير مهاجرة وموطنه الأصلي جزر كايمان (Cayman Islands) في منطقة البحر الكاريبي.
الوصف فراشة العاهل ودورة حياتها
يبلغ طول جناحي فراشة العاهل عادة ما بين 90 إلى 100 ملم (حوالي 4 بوصات). تتميز أجنحتها البرتقالية المذهلة بعروق سوداء ومحيط أسود مزين بسلسلتين من البقع، مما يشير إلى الحيوانات المفترسة المحتملة أن طعم الفراشة غير مستساغ. تُظهِر فراشة نائب الملك (viceroy butterfly)، والمعروفة أيضاً باسم الفراشة ذات أقدام الفرشاة (brush-footed butterfly)، لوناً مشابهاً بشكل ملحوظ للون فراشة الملك. يشير هذا التلوين المشترك إلى أن كلا النوعين مكروهان بالنسبة للحيوانات المفترسة، مما يؤدي إلى فرضية مفادها أن التشابه بينهما هو إستراتيجية دفاعية، وهو ما يجسد التقليد المولري (Müllerian mimicry).
يمكن التعرف على اليرقة الملكية من خلال خطوطها العمودية المميزة باللون الأسود والأبيض والأصفر والأخضر، وهي مشهد مألوف. يتم وضع البيض بشكل فردي على أنواع مختلفة من شجر الصقلاب (Asclepias)، والتي تنتشر في جميع أنحاء موطن فراشة الملك. تعتمد هذه اليرقات نظاماً غذائياً حصرياً على نباتات الصقلاب، التي تفرز سائلاً حليبياً لاذعاً محمّلاً بمواد سامة تُعرف باسم الكاردينوليدات (Cardenolides). يتم ابتلاع هذه المُرَكَّبات والاحتفاظ بها داخل جسم اليرقة، مما يجعلها – ومراحل حياتها اللاحقة – غير جذابة للحيوانات المفترسة. وبعد سلسلة من الانسلاخات، يصل طول اليرقة إلى حوالي 45 ملم (حوالي 2 بوصة).
عند وصولها إلى الحجم الكامل، تقوم اليرقة عادةً بإخلاء مضيفها من الصقلاب لتكوين شرنقة في موقع جديد. تتميز هذه الشرنقة بلونها الأخضر الشاحب وبقعها الذهبية، وتخضع للتحول خلال فترة تتراوح بين 10 إلى 14 يوماً. عندما تصبح الشرنقة شفافة، يصبح الشكل الداكن للفراشة بداخلها واضحاً. وعند ظهورها، تتدلى الفراشة البالغة في وضع مقلوب، مما يتطلب عدة ساعات حتى تجف أجنحتها قبل أن تصبح قادرة على الطيران. بينما تتغذى فراشة الملك البالغة على مجموعة متنوعة من الرحيق، فإن عمرها قصير بشكل عام، حيث يمتد لبضعة أسابيع فقط. ومع ذلك، فإن الاستثناء يكمن في الفراش المهاجر الذين يسافرون جنوباً لقضاء فصل الشتاء في المكسيك، حيث يمكن للأفراد العيش لمدة سبعة إلى تسعة أشهر. ونتيجة لذلك، تمر الفراشة الملكية بما يقرب من أربعة أجيال خلال عام واحد.
هذا وقد كشفت التحقيقات في الاختلافات المورفولوجية للفراشات الملكية عبر مجموعات متنوعة في أميركا الشمالية والوسطى، وكذلك في بعض الجزر، عن اختلافات واضحة في بنية الجناح والجسم. ترتبط هذه الاختلافات بأنماط هجرتها وعاداتها الإنجابية. ومن الجدير بالذكر أن فراشات العاهل شرق أميركا الشمالية، المعروفات برحلات هجرتهن الواسعة، يتميزن بأجسامهن القوية وأجنحتهن الأمامية ذات الزوايا الواسعة. على العكس من ذلك، فإن فراشات العاهل غير المهاجرات المقيمات في بورتوريكو وجنوب فلوريدا وكوستاريكا وهاواي يظهرن قامة أصغر وأبعاداً أمامية أقل. تُظهر فراشات الملك التي تسكن غرب أميركا الشمالية مزيجاً فريداً من حجم الجسم الأصغر إلى جانب الأجنحة الأكبر، وهي سمة يعتقد الباحثون أنها قد تكون مرتبطة باعتمادها على الطيران الشراعي كوسيلة للطيران. وقد أثبتت الدراسات التجريبية أن هذه الخصائص الجسدية والجناحية المحددة هي وراثية، مما يشير إلى أنها تغيرها عبر الزمن واختلاف سلوكياتها، بما في ذلك الهجرة، والتنوع الجيني، وسلوكيات التزاوج.
هجرة فراشة العاهل
ضمن المناظر الطبيعية الشاسعة في أميركا الشمالية، تقف الفراشة الملكية المهاجرة (Danaus plexippus) كمثال بارز على الفراشة المهاجرة لمسافات طويلة والتي تتميز بمنطقة تكاثر واسعة. بينما يبشر الخريف بتجمعهن، تشرع أعداد كبيرة من هذه الحشرات الملكية في رحلة باتجاه الجنوب. تمتد هجرتها لمسافة مثيرة للإعجاب، تصل أحياناً إلى ما يقرب من 3000 كيلومتر (1800 ميل)، بحثاً عن ملجأ شتوي على طول ساحل كاليفورنيا أو وسط غابات التـنوب المتواجدة في المرتفعات المكسيكية. تجد الوحدات الأخرى العزاء في المناخات المعتدلة في تكساس أو فلوريدا خلال أشهر الشتاء. قدمت العينات المميزة معلومات ثاقبة عن قدرتها على الحركة الرائعة، مع رحلات مسجلة تصل إلى 130 كيلومتراً (80 ميلاً) خلال يوم واحد. تمتد أبعد رحلة موثقة للفراشة الملكية المهاجرة حتى الآن إلى 3010 كيلومتراً (1870 ميلاً). عند وصولها إلى ملاذاتها الشتوية، تتجمع فراشات الملوك هذه في أماكن محمية، مفضلةً الملاجئ الشجرية حيث تشكل مجموعات كثيفة على الجذوع القوية والفروع الممتدة، وتدخل في حالة من السبات.
مع قدوم الربيع، تبدأ فراشات العاهل رحلتها المتجهة شمالاً، حيث تعتمد على رحيق الأزهار أثناء مرورها. من بين هؤلاء المسافرين أفراد من الجيل الأول الذي خرج من مجموعة الشتاء، بالإضافة إلى أجيال لاحقة ولدت في الطريق مع تقدم الفراشات نحو خطوط العرض الشمالية الأعلى. تتخلل الرحلة وضع البيض على نباتات الصقلاب التي يواجهونها، مما يؤدي إلى ظهور حضنة جديدة تنضج وتديم رحلة الأجداد شمالاً.
التهديدات التي تواجه الفراشة الملكية
تتم حماية غالبية غابات السبات لفراشة الملك المهاجرة في المكسيك ضمن حدود محمية المحيط الحيوي لفراشة الملك، المصنفة كموقع للتراث العالمي لليونسكو. على الرغم من حظر قطع الأشجار داخل هذا الملجأ، فإن أنشطة قطع الأشجار غير المشروعة وما تلاها من تدهور الغابات قد شكلت مخاطر كبيرة على بقاء الفراشات الملكية. وبالمثل، فإن التطوير المستمر للأراضي على طول مسارات الهجرة المتنوعة لفراشة الملك يعد تهديداً كبيراً لقدرة هذا النوع على إنجاز هجرته السنوية الرائعة.
أثار الباحثون مخاوف من أن الانخفاض في أعداد نباتات الصقلاب، والذي يرتبط بانتشار المحاصيل المعدلة وراثياً المقاومة لمبيدات الأعشاب في الولايات المتحدة خلال أوائل القرن الحادي والعشرين، قد عرّض للخطر احتمالات بقاء الملك على قيد الحياة على المدى الطويل. علاوة على ذلك، فقد أثر تغير المناخ الناتج عن الأنشطة البشرية تأثيراً عميقاً على أنماط هجرة الفراشة الملكية، ومن المتوقع أن يستمر كتهديد وجودي خطير. كما أعاقت ظروف الجفاف المتكررة في أجزاء من غرب أميركا الشمالية، والتي تفاقمت بسبب ظاهرة الاحتباس الحراري، تكاثر مجموعات الصقلاب الأصلية وأدت إلى زيادة حدوث حرائق الغابات المدمرة داخل موائل الملك. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تؤدي الأحداث الجوية القاسية إلى الموت المبكر للفراشات المهاجرة قبل اكتمال دورات حياتها، وقد تؤدي التغيرات في أنماط درجات الحرارة إلى هجرة مبكرة تسبق توافر نباتات الصقلاب على نطاق واسع أو مصادر الرحيق.
إضافة إلا ذلك واجهت جهود المجتمع العلمي للتأكد من الوضع السكاني لفراشات الملك تحديات بسبب التعقيدات التي ينطوي عليها الرصد الدقيق لهؤلاء الفراشات القاطنة وندرة المعرفة الشاملة فيما يتعلق بالتغيرات الطبيعية السنوية والجغرافية في أعداد السكان. تشير التقديرات إلى أن أعداد فراشات الملك شهدت انخفاضاً يتراوح بين 22 إلى 72 بالمائة بين عامي 2010 و2020. وفي ضوء كثرة التهديدات والانخفاض الواضح والصريح في عدد هذه الفراشات القاطنة، تم تصنيف السلالة المهاجرة (Danaus plexippus) على أنها من الأنواع المهددة بالانقراض. على القائمة الحمراء للأنواع المهددة بالانقراض الصادرة عن الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة (IUCN) في عام 2022.