إن السعي للتعرف على أول كتاب تمت كتابته على الإطلاق يأخذنا إلى أعماق سجلات التاريخ القديم، وتحديدًا إلى مهد الحضارة: بلاد ما بين النهرين. هذه المنطقة، الواقعة بين نهري دجلة والفرات، هي المكان الذي بدأت فيه البشرية لأول مرة في تسجيل أفكارها وقصصها ومعارفها في شكل مكتوب.
ملحمة جلجامش
غالبًا ما يُشار إلى ملحمة جلجامش (Epic of Gilgamesh) على أنها أقدم عمل أدبي مهم، وهي قطعة أدبية ضخمة من بلاد ما بين النهرين القديمة. تحكي هذه القصيدة الملحمية، التي يعود تاريخها إلى أواخر الألفية الثانية قبل الميلاد، قصة جلجامش، ملك أوروك الأسطوري، ومغامراته مع رفيقه إنكيدو. يستكشف السرد موضوعات الصداقة، والحالة الإنسانية، والسعي إلى الخلود.
هل توجد مؤلفات أقدم من ملحمة جلجامش؟
في حين أن ملحمة جلجامش هي الأكثر شهرة، إلا أنها ليست أقدم قطعة أدبية مكتوبة باقية. تشمل الأعمال البارزة الأخرى ترنيمة معبد كيش (Kesh Temple Hymn) وتعليمات شوروباك (Instructions of Shuruppak). توفر هذه النصوص، التي تسبق ملحمة جلجامش، نظرة ثاقبة للممارسات الدينية والتعاليم الأخلاقية لمجتمع بلاد ما بين النهرين القديم.
- ترنيمة معبد كيش: وهي واحدة من أقدم النصوص الدينية المعروفة، وهي ترنيمة مخصصة لمعبد كيش. إنه يعكس نظام المعتقدات السومرية المبكرة وإخلاصهم للآلهة.
- تعليمات شوروباك: هذا النص عبارة عن مجموعة من التعليمات الأخلاقية والمعنوية التي يُزعم أن الملك السومري شوروباك أعطاها لابنه زيوسودرا (Ziusudra). ويقدم لمحة عن القيم والأعراف المجتمعية في ذلك الوقت.
أهمية هذه الأعمال
لا تكمن أهمية هذه الأعمال القديمة في عمرها فحسب، بل أيضًا في تأثيرها على الأدب والثقافة اللاحقة. على سبيل المثال، أثرت ملحمة جلجامش على مجموعة واسعة من الأعمال الأدبية اللاحقة، بما في ذلك الإلياذة والأوديسة. وقد تردد صدى موضوعاتها وقصصها عبر العصور، مما سلط الضوء على الطبيعة العالمية للتجارب والعواطف البشرية.
تطور الكتابة
أصبح إنشاء هذه النصوص المبكرة ممكنًا بفضل تطور أنظمة الكتابة. يعود الفضل إلى السومريين، الذين سكنوا بلاد ما بين النهرين، في اختراع الكتابة المسمارية، وهي واحدة من أقدم أشكال الكتابة. استخدم هذا النظام علامات إسفينية الشكل على الألواح الطينية، والتي تم خبزها بعد ذلك للحفاظ على النقوش. سمحت الكتابة المسمارية بتسجيل ليس فقط الأعمال الأدبية، بل أيضًا الوثائق الإدارية والقانونية والتجارية، مما وضع الأساس للمجتمعات المعقدة.
خاتمة
أول كتاب تم كتابته على الإطلاق ليس عملاً واحدًا نهائيًا، بل هو عبارة عن مجموعة من النصوص المبكرة التي تمثل معًا فجر الأدب المكتوب. من ملحمة جلجامش إلى ترنيمة معبد كيش وتعليمات شوروباك، توفر هذه المؤلفات القديمة رؤى لا تقدر بثمن حول سعي الإنسان المبكر للمعرفة والمعنى والتعبير. إنهم يذكروننا بتراثنا المشترك والقوة الدائمة لسرد القصص.