فيما لو نسينا الأساس المنطقي العلمي، فإن ظاهرة الكسوف، التي تتميز بالتعتيم الواضح للشمس أو القمر، يمكن أن ينظر إليها على أنها حدث مقلق للغاية. لكن تاريخياً، فُسِّرَتْ مثل هذه الأحداث على أنها اضطرابات في التوازن الكوني، وغالباً ما يُنظر إليها على أنها نذير سوء حظ. وقد سعت الثقافات على مر العصور، بدءاً من العصور القديمة والحديثة، إلى الحصول على العزاء في التفسيرات الروحية لكسوف الشمس والقمر، وبناء روايات لإزالة الغموض عن هذه الأحداث السماوية الغامضة. تتعمق المقالة التالية في وجهات النظر العالمية المختلفة التي ظهرت لتوضيح هذه النظريات.
الكسوف في الثقافة الصينية
في الثقافة الصينية التاريخية، كان الاعتقاد السائد أن كسوف الشمس كان نتيجة لتـنين سماوي يلتهم الشمس. هذا التفسير مدعوم بالسجلات الفلكية الصينية، والتي تعد من أقدم السجلات المعروفة، والتي تمتد لأكثر من 4000 عام. تحتوي هذه السجلات أحياناً على تصريحات واضحة مثل “لقد أُكِلَتِ الشمس”. في محاولة لإخافة التنين وإنقاذ الشمس، يصدر الأفراد أصواتاً عالية ويقرعون الطبول أثناء الكسوف. وقد عززت عودة الشمس المستمرة بعد هذه التدخلات الصاخبة استمرار هذه الممارسة. ومن الجدير بالذكر أن المواقف الصينية القديمة تجاه خسوف القمر كانت غير مبالية بشكل ملحوظ، حيث تعاملت النصوص التي يرجع تاريخها إلى حوالي 90 قبل الميلاد مع هذه الأحداث على أنها أحداث تافهة.
الكسوف في الثقافة الهندية
في النسيج الغني للأساطير الهندوسية القديمة، تُعزى ظاهرة كسوف الشمس إلى قصة حية ومروعة إلى حد ما. تدور أحداث القصة حول راهو (Rahu)، الشيطان ذو المكر الشديد، الذي كان لديه طموح لاستهلاك الرحيق الإلهي وبالتالي الحصول على الخلود. في محاولة جريئة، ارتدى راهو زي امرأة للمشاركة في مأدبة سماوية. ومع ذلك، كشف الإله اليقظ فيشنو (Vishnu) عن هوية الشيطان الحقيقية. وكانتقام لهذا الخداع، تم قطع رأس راهو بسرعة. ويعتقد أن رأس راهو المقطوع، الذي يندفع عبر السماء، هو المسؤول عن حجب الشمس مؤقتاً أثناء الكسوف. ثمة روايات تشير إلى أن راهو نجح مؤقتاً في تناول الرحيق، فقط ليتم قطع رأسه قبل أن تتمكن الجرعة من إضفاء الخلود على شكله بالكامل. وهكذا فإن رأسه الذي لا يموت، الذي يسعى إلى الأبد وراء الشمس، يوقعها أحياناً في فخاخها ويبتلعها. ومع ذلك، فإن الشمس تنزلق دائماً بعيداً، وتعود إلى السماء، لأن راهو يُترك بلا حنجرة لإكمال غزوه.
الكسوف في ثقافة الإنكا
كانت حضارة الإنكا، التي يعود أصلها إلى أميركا الجنوبية، تنظر إلى إنتي (Inti)، إله الشمس في عقيدتهم، على أعلى درجات التبجيل. كان من المقبول على نطاق واسع أن طبيعة إنتي كانت كريمة في الأساس؛ إلا أن حدوث كسوف الشمس تم تفسيره على أنه نذير غضبه وعدم رضاه. في أعقاب مثل هذه الأحداث السماوية، كانت السلطات الروحية للإنكا تنخرط في العرافة للتأكد من جذور استياء إنتي وتحديد العروض المناسبة لاسترضائه. في حين أن التضحيات البشرية كانت نادرة بين الإنكا، فمن المعتقد أن خطورة الكسوف يمكن، في حالات نادرة، أن تبرر مثل هذه التدابير المتطرفة. بالإضافة إلى ذلك، كانت فترات الصيام معتادة، وكان من المعتاد بالنسبة للإمبراطور أن ينأى بنفسه عن المناسبات العامة أثناء الكسوف وبعده.
الكسوف في ثقافة الأميركيين الأصليين
وفقاً لتقاليد قبيلة تشوكتاو (Choctaw)، يُعزى الكسوف إلى تصرفات السنجاب الأسود الماكر الذي يقضم الشمس باستمرار. وتذكرنا تصرفات هذا المخلوق بدور التنين الصيني في أساطير مماثلة، حيث يُعتقد أن السنجاب، مثل التنين، يمكن إبعاده عن طريق الصخب الجماعي والاحتجاجات الصوتية للحاضرين في الحدث. في الروايات المشتركة بين شَعبي أوجيبوا (Ojibwa) وكري (Cree)، ثمة قصة صبي صغير، يُعرف في بعض الإصدارات بأنه قزم، ويُطلق عليه اسم تسيكابيس (Tcikabis). بدافع من الرغبة في الانتقام من الشمس لتسببها في حرقه، قام تسيكابيس ببراعة بإيقاع الشمس في شرك، وبالتالي إحداث كسوف. وعلى الرغم من اعتراضات أخته، تظل الشمس محاصرة. تحاول سلسلة من الحيوانات تحرير الشمس من حدودها، إلا أن الفأر المتواضع، الذي غالباً ما يتم تجاهله، هو الذي ينجح في قضم الحبال المربوطة، مما يسمح للشمس باستئناف رحلتها السماوية.
الكسوف في ثقافة غرب إفريقية
تعد قبيلة باتامليبا (Batammaliba)، وهي مجموعة من السكان الأصليين تنحدر من المناطق الشمالية من توغو وبنين في غرب إفريقية، حارسة على التراث الثقافي الغني. تروي أساطيرهم أن الخلاف بين البشر تصاعد إلى حد أنه أشعل الكيانات السماوية، الشمس والقمر، مما دفعهم إلى الانخراط في صراع كوني تجلى في شكل كسوف. لقد كان الأجداد الموقرون، بوكا بوكا (Puka Puka) وكويكوك (Kuiyecoke)، هم الذين ناشدوا المجتمع أن يجسد الهدوء والوئام كوسيلة لاسترضاء الأجرام السماوية المتحاربة. والتزاماً بهذا التقليد، يغتنم شعب باتامليبا حدوث الكسوف كفرصة للتوفيق بين مظالم الماضي والاتحاد في جهد جماعي لاستعادة السلام في السماء.
الكسوف في الثقافة المصرية
من اللافت للنظر أن المصريين القدماء، الذين عرفوا بمعرفتهم الفلكية المتقدمة وتعظيمهم للشمس، لم يحتفظوا بأي روايات ملموسة عن كسوف الشمس. وهذا الغياب محير بشكل خاص بالنظر إلى أن مثل هذه الظواهر لم تكن لتفلت من ملاحظتهم. يَفترض بعض الأكاديميين أن إغفال توثيق الكسوف ربما كان مقصوداً، ربما بسبب الطبيعة المؤلمة للأحداث. ويتكهنون بأنه من خلال عدم تسجيلها، سعى المصريون إلى تجنب منح هذه الأحداث إحساساً بالأهمية الدائمة أو المخاطرة بإثارة غضب إله الشمس، رع (Ra). تشير نظرية بديلة اقترحها أحد علماء المصريات إلى إشارات معينة إلى نوع مجازي من العمى في النصوص التاريخية، والتي قد تتزامن مع تواريخ الكسوف، مما يشير إلى أن هذه قد تكون إشارات مستترة إلى الأحداث السماوية. وبدلاً من ذلك، من الممكن أن تكون السجلات الموجودة على ورق البردي قد ضاعت بشكل لا رجعة فيه على مدى آلاف السنين.
طبعاً لم نناقش الظاهرة من خلال وجهة نظر علمية أو إسلامية، إنما هي فقط في موروث الثقافات الشعبية.
اقرأ أيضاً: لماذا لا يحدث كسوف الشمس كل سنة؟