ترفيهيون

نهاد قلعي: رائد المسرح والكوميديا السورية

نهاد قلعي، المولود في دمشق عام 1928، يُعد من أهم رموز الكوميديا السورية، حيث ارتبط اسمه بشكل وثيق بالشخصية الشهيرة “حسني البورظان” في المسلسل التلفزيوني الشهير “صح النوم”. قدم قلعي مسيرة حافلة بالأعمال الفنية التي أثرت الثقافة العربية وشكلت جزءاً من ذاكرة الجمهور العربي.

اسمه الكامل نهاد قلعي الخربوطلي، نشأ في بيئة فنية محبة للفن، فكان خاله الفنان المسرحي المعروف توفيق العطري.

ظهر نهاد قلعي مع بدايات التلفزيون السوري، واشتعل نجمه في كل من السينما والمسرح والتلفزيون.

لماذا سمي حسني البورظان بهذا الاسم؟

الشخصية الشهيرة “حسني البورظان” ارتبطت باسم نهاد قلعي وحققت شهرة واسعة في العالم العربي. اسم “البورظان” يأتي من اللهجة المحلية في دمشق، حيث يُشير إلى الشخص البسيط والساذج إلى حد ما، والذي يسعى دائمًا للوصول إلى أهدافه بطرق غير متوقعة. تجسد هذه الشخصية الطيبة والحسنة النية، وغالبًا ما يقع في مواقف كوميدية بسبب سذاجته وبساطته، مما أضفى عليها طابعًا محببًا وقريبًا من قلوب الجمهور.

يذكر الفنان الراحل أن اسم حسني البورظان جاء صدفة، حيث نسي جزءًا من الحوار أثناء بث مباشر لبرنامج “سهرة دمشق”، وكان دوره يحمل اسم حسني. في محاولة للارتجال، لاحظ عازفًا يحمل البوق الكبير خلف الكواليس، فأطلق على نفسه اسم حسني البورظان في تلك اللحظة. منذ ذلك الحين، ارتبط به الاسم، ليكون جزءًا من مسيرته المسرحية والتلفزيونية التي انتهت قبل الأوان.

لكن الحقيقة لها وجه آخر. يروي بعض جوانبها الدبلوماسي الشهير الدكتور صباح قباني في مذكراته فيذكر بالتفصيل كيف التقى دريد ونهاد لأول مرة في مكتبه أثناء التحضير للبث، حيث وجد في شخصيتيهما شبهًا مع الكوميديين العالميين لوريل وهاردي. رأى دريد النحيف وصديقه السمين نهاد قلعي يشكلان ثنائيًا كوميديًا مثل لوريل وهاردي، وتخيلهما يواجهان المواقف الكوميدية. بعد تعارفهما في عام 1960، شكلا الثنائي الذهبي الذي خُلد في الذاكرة حتى اليوم، وأصبحا أيقونة الكوميديا في العالم العربي.

قصة الاعتداء الذي تعرض له الفنان نهاد قلعي

في صيف دمشق الحار عام 1976، وخلال عروض مسرحية “غربة” التي لاقت رواجاً كبيراً، حدثت واقعة مأساوية هزت أرجاء الوسط الفني، وخلفت ندبة حزينة في ذاكرة محبي الفنان الكبير نهاد قلعي.

ففي إحدى ليالي العرض، وبعد انتهاء المسرحية، اجتمع نهاد مع زميله الفنان دريد لحام وصديقهما شاكر بريخان، بالإضافة إلى الصحفي اللبناني الشهير جورج إبراهيم الخوري، في أحد النوادي العائلية بدمشق.

وبينما كان الرفاق يتبادلون أطراف الحديث في جو من الود والمرح، طلب نهاد من النادل إحضار علبة سجائره المعتادة. لكن الوقت قد تأخر، وأغلقت المحال المجاورة، فعاد النادل خالي اليد.

أثار ذلك غضب نهاد قلعي، فعبّر عن ضيقه بصوت عالٍ. سمعه من كان يجلس على طاولة قريبة، فظنّ – خطأً – أنه يتحدث إليه، فما كان منه إلا أن بادر بتقديم علبة سجائره إليه قائلاً: “لعيونك يا حسني بورظان، تفضل خذ من سجائري”.

ردّ عليه نهاد بهدوء: “اسمي نهاد قلعي، شكراً لك، لكن لا أريد سجائر من أحد”.

لم يرقّ ردّ نهاد لِمُقدّم السجائر، فاستفزه قائلاً: “خذها مني، ضيافة”.

ارتفعت حدة نبرة نهاد، وأجاب بصوت مسموع: “اسمي نهاد قلعي يا حمار!”.

في لحظة غضب عارمة، هاج الرجل، وانقضّ على نهاد كوحشٍ كاسر، وانهال عليه بكرسي حديدي كان يجلس عليه. سقط نهاد مغشياً عليه، والدماء تنهمر من رأسه، في مشهد مروع أثار الذعر والفوضى في المكان.

هرع شاكر بريخان وجورج إبراهيم الخوري لنجدة نهاد، ونقلاه إلى المستشفى على الفور. لحسن الحظ، نجا نهاد من الموت، لكنه أصيب بجروح خطيرة تركت ندوباً جسدية ونفسية عميقة.

تولت السلطات التحقيق في القضية، وتمّ القبض على المعتدي، الذي اتضح أنه كان من ذوي السوابق الإجرامية. واجه المعتدي عقوبة رادعة على فعلته المشينة، لكن ذلك لم يُمحِ من ذاكرة نهاد قلعي وزملائه وأصدقائه هول تلك الليلة، التي كادت تُودي بحياته.

رحيل نجم: حكاية حقيقية عن اعتداء غيّر مسار حياة نهاد قلعي

مشهد مسرحي يتحول إلى مأساة:

صمتت خشبة المسرح عن ضحكات الجمهور لعدة أيام، عاد بعدها الفنان نهاد قلعي ليُكمل عروضه، غير أن القدر كان يخبئ له مأساة لم تخطر على بال. ففي خضم عرض مسرحي، تعرض لاعتداء وحشي أدى إلى إصابته بشلل نصفي، وفقدان القدرة على النطق بشكل سليم، وتلعثم حركته. أجبر هذا الحادث الأليم على إيقاف المسرحية مؤقتاً، واستبداله بالفنان تيسير السعدي.

رواية شاهد عيان: يكشف الفنان الراحل شاكر بريخان، العلامة الموسيقية والمبدع في مجال الكتابة والتلحين، تفاصيل هذا الاعتداء المُروّع. فقد تمت محاكمة الجاني، ونال حكماً مخففاً بحجة أنه كان تحت تأثير الكحول، واعتبرت الحادثة مشاجرة عادية.

خيوط الحقيقة تتكشف: يُؤكّد بريخان على صحة هذه الرواية، ويدحض كل الشائعات والأكاذيب التي نسجت حول هذا الحادث. ينفي صلة المعتدي بسرايا الدفاع أو أي جهة عسكرية، ويُشير إلى أنه قد يكون له علاقات مع أشخاص ذوي نفوذ.

غموض يلف بعض التفاصيل: يُقرّ بريخان بوجود بعض الغموض حول هوية الجاني وخلفيته، ومهنته، وهل تدخل في الأمر رشاوى أم لا.

علاقة استثنائية: يكشف بريخان عن العلاقة الوثيقة التي ربطته بالفنان نهاد قلعي، وحرصه على مساعدته، سواء من خلال طلبه من الرئيس حافظ الأسد تخصيص راتب تقاعدي له، أو سعيه لإيفاده للعلاج خارج سوريا.

تقدير غائب: يُعبّر بريخان عن استيائه من تجاهل الدولة للفنان نهاد قلعي، وعدم منحه تكريماً يليق بمكانته، على عكس الفنان دريد لحام الذي نال وسام الاستحقاق السوري من الدرجة الأولى.

رحيل نجم: رحل نهاد قلعي في التاسع عشر من أكتوبر عام 1993، تاركاً وراءه إرثاً فنياً غنيّاً، وحكاية إنسانية مؤلمة، تُجسّد قسوة القدر وظلم الواقع أحياناً.

مسيرة حافلة بالإنجازات

  • المسرح:
    • يعتبر نهاد قلعي المؤسس الحقيقي للمسرح القومي في سورية عام 1959.
    • قدم العديد من المسرحيات المميزة، مثل “المزيفون” و”ثمن الحرية” و”عقد اللولو”.
    • اشتهر بشخصية “أبو خليل القباني” في مسرحية “سهرة مع أبو خليل القباني”.
  • السينما:
    • شكل ثنائياً فنياً استثنائياً مع الفنان دريد لحام، حيث قدما معاً العديد من الأفلام الناجحة، مثل “غوار الطوشة” و”الرسالة” و”أبو النوار”.
    • اشتهر بشخصية “حسني البورظان” التي أداها في عدد من الأعمال السينمائية والتلفزيونية والمسرحية.
    • كتب العديد من الأفلام التي شارك فيها، مثل “الهارب” و”الخياط”.
  • التلفزيون:
    • اشتهر نهاد قلعي بأعماله التلفزيونية الكوميدية، مثل “صح النوم” و”حمام الهنا” و”مقالب غوار”.
    • ساهم في تأسيس التلفزيون السوري وقدم العديد من البرامج التلفزيونية.

نهاد قلعي، برغم التحديات والصعوبات التي واجهها، يظل رمزًا للكوميديا العربية والسورية. إرثه الفني يبقى شاهدًا على موهبته الفذة وقدرته على إضحاك الجماهير ورسم البسمة على وجوههم، تاركًا خلفه إرثًا فنيًا غنياً يعبر عن مرحلة ذهبية في تاريخ الفن العربي.

اقرأ أيضاً
زر الذهاب إلى الأعلى